
الدين والسياسة هم مظهرين او عنصريين متلازمين من عناصر اى ثقافة ما لمجتمع ما بالتأكيد لكل منهم تأثيره ع الاخر بالرغم من ان فى العصور الحديثة اصبح هناك فصلا ظاهرى ما بين الدين والسياسة
الا انهم يعبرون عن جوهر ثقافى واحد فيتأثر كلا منهم بالاخر كما انهم يتأثرون بعناصر الثقافة الاخرى من اقتصاد وفن وعلم واجتماع وظروف بيئية محلية وعالمية
وتختلف هذه العناصر الثقافية من حيث قوة تأثيرها وبروزها عن وفى باقى العناصر من مجتمع لاخر ومن فترة زمنية لاخرى فنجد مثلا ان من اكثر العناصرالثقافية تأثيرا فى العصور الحديثة هى العلم والتكنولوجيا والتى لها تأثيرها البالغ على بقية العناصر من دين وسياسة وفن وعلاقات اجتماعيةواقتصادية واخلاق .....
ونجد مثلا فى العصور الاوروبية الوسطى عنصر الدين هو العنصر الابرز والذى يحرك باقى العناصر ومن مظاهر ذلك اندماج السلطة الدينية والدنيوية وسيطرة الكنيسة ع كل شىء فى اوروبا فى تلك الفترة ونجد ايضا العرب وتأثير القبلية
او القرابة العصبية ع مجريات السياسة والدين ففى الجاهلية كان لكل قبيلة طوطم او معبودها الخاص والتى يعتبر رمزا لها وتعبيرا اكثر جوهرية عن وحدة القبيلة التى تدين كلها لنفس الطوطم او الصنم لذلك نقول ان لقرابة او القبلية هى اكثر العناصر تأثيرا فى ثقافة العرب حينئذ وظهر ذلك جليا فى شعرهم ونثرهم وعاداتهم وتقاليدهم ....
اذن يوجد علاقة قوية تربط بين الدين والسياسة كنعصرين من عناصر الثقافة (الحضارة) لاى مجتمع كان
وقد يتداخلوا فى ثقافة ما ليكون الناطق بأسم الله هو القائم بأمره وحكمه ع الناس وقد ينفصلوا انفصال ظاهرى ويكون مظهران لمحرك اخر كالعلم مثلا او القبيلة او الفلسفة او الاقتصاد ......
فيتأثرا بهذا المحرك او يكونا ناطقين باسمه وعاملين لوظيفة تخدم هذا العنصر المسيطر
وقد يكونا فى الاصل ذات جوهر مختلف فالدين يدعو للسعادة فى الدنيا والاخرة اما السياسة تدعو فى الاصل الى تدبير امور الحياة بما يصلح حال المجتمع ويحافظ ع بقاءه وع مصالحه ومنافعه اذا فغاية الدين ابعد كثيرا من غاية السياسة ورؤيته رؤية اوسع افاقا من رؤية السياسة كما ان الدين جوهره السعادة وهى شىء غير ملموس اما السياسة فجوهرها المنفعة والتى فى الغالب تكون ملموسة ورغم هذا الاختلاف الواضح فى جوهرهم الا انهم يتداخلان رغم ذلك فالسياسى يرى فى الدين وسيلة للضبط ولتحقيق المنافع خاصة المنافع الشخصية و رجل الدين مدافعا عن دينه يصطدم اكثر ما يصطدم بالسياسى الذى يحاربه فى معتقده الذى يهدد قيامه بامر جماعته او يهدده شخصيا كفرعون وموسى فلا يمكن ان يعمل الدين بمعزل عن السياسة ودائما ما تستغل السياسة الدين اذا كان يحقق اهدافها او تحاربه اذا ما كان حائل عن تحقيق غايتها .........
ومن عرضنا السابق يمكننا ان نقول ان الاسلام دين قامت له دوله تحميه وان محمد رسول الله وخاتم النبيين كما انه حارب فانشأ دوله تحمى هذا الدين لذلك يجب ان ننظر لدولة السلام بمعايير مهده وسياسة عصره وليست كدولة مطلقة باحكام مطلقة مثلها مثل الدين ولكن عبثا نحاول ان يكون ما هو كائن ما ينبغى ان يكون فقد صارت الامور كعادتها فخلط دائما ما بين الدين والدولة واستغل الثانى الاول اكثر من استغلال الاول للثانى فاصبح الدين اطار يشرع للسياسة افعالها وما اسهل ذلك فى دولة قامت باسم الدين ومن اجل الدين
اذا لا يخلو الدين من اكاذيب السياسة ولا يستطيع ان يعمل بمعزل عنها او بمعزل عن( روح) مجتمع ما وكنا قد بدأنا بهذه المقدمة الطويلة والتى لا تخلو من العيوب لنؤطر لموضوع كنا نهدف له من البداية ألا وهو التنظير لمعرفة اصول الصراع السنى الشيعى بين المسلمين والذى نجد له ما يفسر بعض الصراعات المعاصرةة مثل الصراع فى سوريا والذى يتخذ شكل طائفى والصراع بين السعودية وايران وظهور ما يسمى بالحوثيين ودداعش فقد يسهم عرضنا القادم فى فهم حقيقى لتلك الصراعات والاحداث التى نمر بها اليوم فى وطننا العربى والتى نسمع عن تداعيتها كل يوم سواء اردنا ذلك او لا
انقسم المسلمين منذ الفتنة الكبرى (مقتل عثمان والصراع بين على ومعاوية ) الى ثلاث احزاب متصارعة وهم السنة او اهل الجماعة والشيعة وهم اتباع على والخوارج وهم جماعة من المسلمين خرج عن على بعد التحكيم وكفروا معاوية وعلى ولنتاول سويا كل كتلة ع حدى من ظروف تكونها وما كانت تدعوا اليه دون الفرق الاخرى ونبين كيف اثرت تلك االايديولوجيات فى الدين وحورت من بعض قضاياة وذلك لتثبت دعائم حكمهم ونتوصل سويا ما هى القوة الفاعلة والمحركة فى تلك الحقبة من التاريخ الاسلامى
ولا يخفى علينا دور السياسة الاسااسى فى تمايز اهل السنة والجماعة عن الفرق الاخرى بتغير ظروف الخلافة من على لمعاوية حتى الدولة العباسية والتى كانت اقرب للشيعة من السنة لذلك تأخر تسميتها الى العصر العباسى فى حين ان الشيعة سموا بهذا الاسم منذ البيعة لعلى وبنيه وذلك لانهم قابلوا ظروف سياسية مشابهة ولكن فى زمن اقرب
ويذهب البعض الى ابعد من ذلك فى دراسته لاسباب الانقسام والانفصال ويرجع جذوره الى ما قبل الاسلام ويناظر للصراع المذهبى بين السنة والشيعة بصراع اعمق ولكن من نوع اخر وهو الصراع القبلى بين العدنانيين(ابناء عدنان ) وهم سكان الحجاز والشام ومنهم قبيلة قريش والقحطانيين (ابناء قحطان ) وهم سكان اليمين وكان لهذا الصراع القبلى طرف ثالث وهم ربيعة وانو يتركزون فى شرق الجزيرة العربية وهذا ع مستوى القبائل الكبرى اما ع مستوى القبلية الكبيرة نفسها فكان يوجد صراع داخلى بين قبائل العدنانيين بين بنى امية وهاشم ويوجد نظيره فى ربيعة وقحطان فكان للمنطق القبلى نفوذه فى تلك الحقبة ما قبل السلام والذى لا نعدم اثره فى صدر الاسلام ناهيك عن اثره الذى نعيشه الان ! فانا واخى ع ابن عمى وانا وبن عمى ع الغريب ! لعل هذا هو لسان حال الصراعات القبلية فى ذلك الحين
واستطاع الدكتور الجابرى فى كتابه العقل السياسى العربى ان ينظر للقبيلة كمحرك للسياسة ومن ثم محرك للمذاهب الدينية فكان ابو سفيان مثلا والد معاوية يحارب الرسول الكريم فى بداية الدعوة لان الرسول ليس من بنى امية ولكنه من بنى هاشم والتى تزاحم بنى امية ع الزعامة فى قريش فظهور رسول لبنى هاشم كان يهدد موقع الزعامة التى تحتله بنى امية والتى سعت اليها فى فترة صدر الاسلام الى ان وصلت للخلافة واستقر الامر لها بتايد بنى امية لعثمان ضد على ومن بعدها لم تخرج الخلافة(وهى بمثابة الزعامة السياسية ) من بنى امية فتولاها معاوية بن ابى سفيان من بعد عثمان اذا جنبنا فترة ولاية على والتى كانت مليئة بالحروب الاهلية مع معاوية نستطيع ان نقول ان بنى امية كانوا دائما ولاة وفى مركز الزعامة قبل وبعد فتح مكة الى نهاية العصر الاموى وسقوط دولتهم وانشاء دولة العباسيين وكذلك كان ابو جهل معادى للرسول الكريم لانه كان عمه ولكن لام اخرى غير ام عبد الله والد الرسول كما دافع عبد المطلب عن الرسول الكريم بدرع القبيلة ايضا لانه من بنى هاشم والتى تتحالف مع قبائل اخرى ضد بنى اميه وحلفها فكان ما يحمى الرسول الكريم فى بداية دعوته الخوف من نار الحرب الاهليه بين القبائل المتحالفة والمتصارعة فى ذلك الوقت ونرى لهذا الصراع القبلى فى مسألتنا هذه اصل لانفصال الفرق الاسلامية لسنة وشيعة وخوارج فأهل السنة والجماعة وهم المتميزون عن الشيعة والخوارج فى بداية نشأتهم بعد الثورة ع عثمان اكثرهم من بنى امية والقبائل المتحالفة معها من العدنانيين والذى حاربو مع معاوية للثأر لدم عثمان فى حين نجد الشيعة وهم اتباع على من ربيعة حليفة بنى هاشم واليمانيين (القحطانيين ) والذين اشعلوا نار الثورة ع عثمان اما الخوارج فكان اكثرهم من الموالى وهم من اسلموا حديثا من دون العرب من الامصار المفتوحة فكانت ربطتهم دينية اكثر من قبلية ويظهر اثر القبيلة جليا فى محاولة ايجاد غطاء دينى لتثبيت الحكم للامويين او للشيعة او حتى لثورات الخوارج فنجد ان الامويين روجوا لحديث يقول ان الخلافة من قريش بينما ذهبت الشيعة لما يسمى بالوصية (الامامة) ام الخوارج بعكس الفرقتين السابقين رفعوا شعار ان الحكم الا لله وسبب هذا الاختلاف يتضح جليا اذا نظرنا لها من اطار القبيلة او العصبية فالشيعة التى نادت بالامامة او الوصية اكثرهم من عرب اليمن وربيعة والتى حاولت ان تبعث فكرة الوصايا التى كانت موجودة باليهودية (فكانوا يظنوا ان لكل نبى وصى يأتى بعده وهى درجة من درجات النبوة ) مرة اخرة فى الدين الجديد (الاسلام ) والتى كانت تنتشر فيهم وخصوصصا اهل اليمن وبعثوا معها من جديد المهدية او فكرة المخلص او المسيح الذى سيعود ليملأ الدنيا عدلا ويرد الحقوق لاهلها بعد ان امتلأت بالظلم وهى دائما حيلة للمهزوم او المغلوب ليؤجل أمال الحاضر الى المستقبل وهكذا نقلت قبائل اليمين تراثها القديم الى الاسلام وكان ذلك بدافع مناطحة قريش او بنى امية ع الاخص والتى بدورها حاولت ان تدعم حكمها بالحديث الذى تمت الاشارة اليه مسبقا بل ذهبت الى الترويج لافكار الجبرية وان الله هو الذى قضى بحكمهم ع الناس وان الله يغفر لهم لانه قاموا بالامر هذا مع اتيانهم كل محرم وقبيح ووان المؤمن يظل مؤمن حتى وان فعل الكبائر والكافر يظل كافر حتى وان فعل اشياء حسنة كما ان الخروج ع الحاكم محرم وذلك بحجة الفتنة ويعتبر هذا الجذر السياسى القبلى لعقيدة اهل السنة وبذلك اصبحت القضايا الدينية كقضايا الايمان والقدر والحرية والاختيار قضايا تشرع لحكم الامويين وفى الجهة الاخرى نجد ان ( الخوارج) وهم من( الموالى) كانوا يرون ان الخلافة ليست حكرا على احد من بنى هاشم او احد من الامويين (قريش ) ولكن لاى فرد من جموع المؤمنين الصالحين فالحكم لله وكانوا يرون ان مرتكب الكبيرة كافر ويجب محاربته لذلك كثرت ثوراتهم ع الامويين الذين استباحوا الكثير من الاشياء المنكرة ولعل ذلك الاحكام هى النتيجة وليست السبب فالموالى (وهم المسلمون من دون العرب ) كما قولنا كانوا ينقصهم رباط القبيلة لذللك وجدوا فى الدين رباطا لهم فقالو بان الحكم لله وان من خالف كتاب الله فهو كافر فكفروا على وعثمان ومعاوية بل كفروا ايضا من يشك فى كفره !لانه بمجرد شكه هذا يكون قد خالف القران (ضمنيا ) ويسعى لحكم اخر غير حكم القران وبالتالى قد خالف الحاكم وكفر بالله وهذا كان سبب تكفيرهم لعلى كرم الله وجهه حينما قبل التحكيم
ولم يقولو كما قال (اهل السنة والجماعة )\( بنى امية ) ان الخلافة من قريش موطن بنى امية ولم يقولو ان المؤمن يظل مؤمن حتى ما ارتكاب الكبائر ولم يقولوا بالجبر والقدر وان الله هو الذى يوليهم على الناس كما فعل الامويين !
كما انهم لم يقولوا كما قال (اليمنيين )\ (الشيعة) ان الخلافة للامام الوصى المعصوم او وان قريش انتزعت حق الائمة فى الخلافة فكفروهم ولم يقولوا بالتقية الخ ......
اذا يكون هذا الخلاف المذهبى بين السنة والشيعة والخوارج واسباب الاختلاف فى بعض القضايا الدينية كالايمان والكفر والحرية والقدر أكثر وضوحا وأكثرا اقناعا فى البحث عن اسبابه فى الخلافات السياسية القبلية التى كانت فى عصر الفتنة بل كانت فى عصور ما قبل الاسلام ! ولا استثنى عصرنا الحالى من ذلك
كما وصف الاستاذ على الوردى فى كتابه وعاظ السلاطين الشخصية العربية بالشخصية المزدوجة والتى تحمل فى لا شعورها نوعين مختلفين من القيم وهى قيم القبلية من النعرة والنجدة والتفاخر والاهتمام بالانساب وقيم اسلامية منها التواضع وعدم الاهتمام بالنسب والقول بوحدة وتساوى الناس وهى قيم متناقضة يفصلها بون نوعى شاسع والتى ادت الى تناقضات فى الشخصية العربية وتظهر هذه الازدواجية جل ظهورها فى الخطاب الدينى والوعظى الذى يدعو الى قيم دينية جامدة لا تلائم قيم الاجتماعية المنتشرة بين العرب فينشطرون بالتالي إلى شخصيتين مختلفتين؛ "إحداهما تصغي لما ينصح به الواعظون ثم تتمشدق به، والأخرى تندفع وراء ما يروق في أعين الناس من مال أو جاه أو اعتبار".
وهى القيم الاجتماعية (القبلية ) ولعل من الاختلاف فى القضايا الدينية بن السنة والشيعة والخوارج محاولات للدمج والتكييف بين ما يشهده المجتمع من صراعات تغرز قيم قبلية وما يدعو له الدين من قيم معاكسه بل مناقضة تمام لتلك القيم الاولى فظهر من الدين ما يشرع للوصايا او للامامة لأل البيت بل والعصمة والغلو فى حبهم وظهر ما يشرع للخلافة لبنى امية وعدم الخروج ع حكمهم وظهر من الدين ما يشرع للثورة ع الحاكم وتكفيره وذلك للعمل ع هدم القيم القبلية والتى طالما عانى منها الموالى .........
نستنتج مما سبق ما تم الاشارة الية مسبقا الى ان للسياسة والدين والاقتصاد والاجتماع والاخلاق و......الخ من عناصرالثقافة لمجتمع ما لا يمكن النظر الى احدهم بمعزل عن الاخر بل يجب ان ينظر اليهم كنسق ثقافى واحد متفاعل متشابك يتأثر كل منهم بالاخر ويؤثر عليه وقد تختلف اهمية عنصر من هذه العناصر من حيث تأثيره وظهره ع العناصر الاخرى ويظهر قدرة اكبر لتفسير كافة الظواهر الاجتماعية مع اختلاف مجتمع لأخر ومن فترة لاخرى فى نفس المجتمع وان موضوع الاختلاف بين السنة والشيعة له عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية لم ينظر اليها الا قليل من الباحثين الناظرين بمناهج اظنها اكثر فائدة لعصرنا واكثر علمية عن غيرها .......
تم بحمد الله
تعليقات
إرسال تعليق