واحة الغروب


الحياة والموت / الواحة و الصحراء / نعمة وكاترين / الشيخ يحيى والشيخ صابر / وماليكا وبس وكوووول ده ومحمود عبد الظاهر ! كلها ثنائيات  متناقضة ومتصارعة داخل اعماق وبنية محمود عبد الظاهر ولكم هو محير ان نحاول ان نفهم  تركيبة هذا الشخص المليىء بالمتناقضات والمتقلبات .....
يبدأ المسلسل أو (الرواية مع انى مقرتهاش ) بمشهد يعبر عن الصراع الجوهرى الذى يريد طرحه والذى تقف فيه المدافع المصرية (العربية الاسلامية)  فوق حصن الاسكندرية فى مواجهة مدفعية الاسطول الانجليزى (الامبريالية الغربية )  وبرغم النتيجة المحسومة بحسابات القوة وبرغم الارواح التى تحصد و البيوت التى يتم دكها تتعالى الصيحات ( عاش عاش عرابى عاش ) !

ولكنها مقاومة لا تستمر كثيرا فسرعان ما هزم جيش عرابى وتمكن الانجليز من احتلال مصر لنشهد تقلبات كثيرة فالثورة اصبحت هوجه وعرابى الذى وقف للتصدى  ضد الخديوى والانجليز اصبح عاصى  مخرب  ولتذهب (نعمة) الجارية السمراء  الذى يحبها محمود وتظهر (كاثرين) الايرلندية الشحباء فى تداخل للاحداث ذات دلالة ..

ولنشهد ايضاً تحول رئيسى فى شخصية محمود عبد (الظاهر) الذى يتخلى عن مبادءه التى فى (الظاهر) يبدو انه آمن بها ولكن فى حقيقته التى تتوارى خلف ما يُظهر ما كان ليؤمن بها الا حبا فى الذات وطمعا فى المزيد من التسلط وتجسد هذا الامر بوضوح فى أكثر من موقف فيُقدم بطلب الى المأمور (والذى يمثل عقله)  لنقله الى الجيش الرابض لمواجهة الانجليز فى انتفاضة تظهر ايمانه بمبادىء الثورة ولكن سرعان ما يطلب منه (المأمور) الجلوس ليجلس بحجة تحكيم العقل وبحجة عدم الدخول فى معركة خاسرة وها هو يؤنب صديقه (طلعت) (والذى يمثل غريزة البقاء وحب الذات عند محمود) الذى يطلب منه الكذب فى التحقيق والتنازل عن ما يؤمن به والا اُعدم  فى حين انه قد حرق مسبقا كل الاوراق التى قد تدينه وازال كل صور رموز الثورة من منزله والتى تثبت مشاركته فى الثورة !
 يُظهر رفضه للترقية كمأمور ع واحة سيوة فى مكتب رئيسه فكيف يرتضى لنفسه ان يجمع الضرائب من اهله للانجليز وتتبدى سعادته وحبوره الشديد  فى الحانه بالسلطة الجديدة وذلك على انغام  (يا مدلع يانا يا مدلع ...) ...وهكذا فى مواقف عديدة من خداع الذات .
وع الرغم من حب الذات الطاغى على شخص محمود عبد الظاهر تجده ايضا يحب وطنه ! فلم يكن من السهل عليه تقبل الهزيمة ولم يكن من السهل عليه التنازل عن مبادىء الثورة فها هو يبكى فى احضان (نعمة ) (والتى تمثل الروح او الثقافة المصرية ) حين دك الانجليز الاسكندرية وها هو يتألم فى لحظة تنكره لعرابى فى التحقيقات ويصف نفسه بانه أسوأ من عاصى خائن مخرب لا يستحق الحياة  و فى الحانة وعلى انغام (معلشى النوبة معلشى يا روحى يا عقلى متزعلشى ...)  تلوم نفسه (عقله) و(ذاته الانانية) اللاتا حولاه الى نصف وطنى ونصف خائن ... كثنائية (لحب الذات / حب الوطن)
ويتجلى هذا التناقض الصارخ بين حب السلطة (الذات) وحب الوطن فى اوضح صوره فى مشهد تسأل فيه (نعمة ) (الجارية السمراء كأرض مصر)  عن حبه لها فينتفض كأنه يفوق من غفلة ويرد " انتى نسيتى نفسك انتى جارية عندى مش عاوز اسمعك بتقولى كدة تانى "  و يأبى ان يتملكه حبها ويصر على  ان يتملكها هو !

ويعد هذا هو التناقض الرئيسى داخل شخص محمود عبد الظاهر  والذى يتسلسل الى مجموعة من التناقضات والصراعات بداخله
فقد ادى صراع (حب الذات/ حب الوطن ) الى صراع جديد (الحياة بمهانة / الموت بكرامة) حيث تأرجح محمود عبد الظاهر بين القطبين كالبندول فتارة يسعى الى سيادة منقوصة حيث وافق ان يذهب الى سيوة كمأمور يجبى الضرائب لصالح الانجليز  وتارة يسعى الى الموت فيطلب من (كاثرين) ان تضربه بالنار بعد اعلامه  انه يخونها  او كأن يفكر فى الوقوف امام العاصفة ولكن سرعان ما يتراجع ليعيش محمود حياة لا معنى لها فلا يستطيع ان يحيي بمهانه ولا يستطيع ان يموت بكرامة كما انه لا يستطيع ان ينسى الماضى وحبه ل (نعمة ) ولا يستطيع ان يحب (كاثرين)  الايرلندية الشحباء (وتمثل الروح او الثقافة الغربية والتى محورها الفردية المفرطة او الانانية) ويعيش الحاضر لتكتمل الصراعات داخله بثنائية اخرى ( الماضى الكريم / الحاضر المهين ) او (الثقافة المصرية العربية الاسلامية/ الثقافة الغربية الامبريالية )  .


ولا تخلو واحة سيوة من التناقضات والصراعات هى الاخرى فبأهل سيوة نوعين من القيم الاجتماعية المتناقضة (قيم الحرب/ قيم السلام)او قيم الظلام والتى تتمثل فى الشيخ (صابر) وهو شيخ اعمى كالعادات والتقاليد التى يتمسكون بها اهل الواحة وقيم النور والتى تتمثل فى الشيخ يحيى الحكيم والبصير بدراسته بالازهر الشريف والمامه ببعض فنون الطبابة ومن عوايدهم (العامية) ان العروسة (البنت) اخوها او وليها يشيلها ع ظهره من بيتها لغاية بيت جوزها وكأنها سلعة مباعة للمتعة ! ومن عوايدهم  برده انهم يركبوا الحمار بزواية والى جرى تمثيله فى القصص الشعبى ع انه العقل زى جحا وحماره كدة وكأن عوايدهم ترفض استخدام العقل والمنطق او قل انها ضد العقل  وعلشان كدة برده كان الشيخ يحيى بيفضل انه ميركبش حماره وانه يسحبه وراه .

واخيرا (ماليكا) والتى تمثل (الحرية ) والتى جرى تمثيلها فى الافلام والمسلسلات بالنزوع للتعبير عن الذات  اما بالعزف او بالرسم او بالنحت فكانت ماليكا تتقن عمل المصاخيط والتى تتحمل الكثير من المتاعب فى سبيل صنع بعضهم والتى  اجتمع ع قتلها (كاثرين) و(محمود عبد الظاهر ) بانانيتهم و(عوايدهم)  العمياء واللى ولدت حقد فى امها لتعميها وتقتلها فى لحظة غضب ....

وينتهى المسلسل ( مش الرواية )  بمشهد بمثابة الحل المقترح للصراع الى تم بيانه فى اول مشهد والذى فيه  يقوم محمود عبد الظاهر بتفجير القسم وهو بداخله و ما اشبه محمود عبد الظاهر وقسمه بحكامنا المستبدين  وسياستهم المهينة امام طغيان الامبريالية الامريكية والغزو الثقافى الغربى  وما اسوأ ان يعيش المرء بنصف سيادة ليفقد كرامته وهويته  ويفقد معنى حياته .



تعليقات