خلى بالك من عقلك


خلى بالك من عقلك
حيث يلغى الحب الحدود بين العقل والجنون ، وحيث يجعلنا احرارا بقيود وسلاسل ، حينها وحينها فقط لازم تخلى  بالك  من عقلك ! (وائل ) شاب طموح يعمل  كنادل فى كبارية أثناء الليل ، ويكمل دراساته العليا فى كلية الآداب قسم علم النفس بالنهار ! تستعجب من الوهلة الأولى من هذا التناقض ولكن سرعان ما تكتشف خطأك وتسرعك بالحكم ...يعمل اية وائل يعنى ؟! لازم يتكيف مع ظروفه الصعبة فيعتبر وائل مصدر الدخل الوحيد للأسرته التى تتكون من اب على المعاش وام ربة بيت واخ صغير واخت وفى نفس الوقت على وائل انلا يتخلى عن طموحه الزائد ...ما علينا من هذا لا يجب أن نزيد فى هذه النقطة .
المهم ! يقابل (وائل) (سلوى ) فى القسم الحريمى لمستشفى للأمراض النفسية والعقلية يتدرب بها أثناء دراسته . لا يكتشف فى البداية ان سلوى احدى المرضى بالمستشفى - والتى تعانى من فصام يجعلها منفصلة عن الواقع -  ويدور بينهم حوار لا يتعدى بعض الجمل فتتهمها احدى رفيقاتها فى المشفى وتقول ان وائل عشيق لسلوى فتنتفض سلوى وتتهم وائل بانه يغازلها ، وينتهى حوارهم بصفعة على وجه وائل وكأنها صفعة لتفيقه ، صفعة تجعله يبدأ رحلته التى يتحول بها من عاقل لمجنون .
يعيش وائل (العاقل) تناقض هو نفسه لا يشعر به ، فيعمل وائل فى ملهى ليلى حيث ادنى قيم الوجود البشرى من شهوة وحب للمال والتسلط  ، ويدرس فى الجامعة نهارا حيث أرقى وأنزه مساعى البشر من طلب علم وشرف البحث . أو يمكن القول ان وائل يجمع بين قيم الظلام والانحطاط وقيم النور والارتقاء ، قيم يرسخها الواقع وقيم تريد تغيير الواقع وكل هذا فى ازدواج لا شعورى حتمته صيرورة التكيف والاستمرار . وهو نفسه التناقض التى لم تستطع سلوى (المجنونة) التكيف معه ، فاختارت سلوى الانفصال عن الواقع المؤلم والنجاة بقيم الحب والنور . فيصبح فى هذا العمل الازدواج موصوف بالعقل والاستواء والاعتدال موصوف بالجنون !
العقل ههنا يصف المجون بالسعادة ، ويصف الإيذاء البدنى بالكهرباء بالعلاج ، ويصف الحب بالفجر   ، والحرية بالجنون ليقيدها فى سلاسل . العقل فى هذا العمل يُظهر العفة والمنطق ويستر فى أعماقة الخسة واللامنطق .عقل يزيف الحقائق ويتهم من يعرفها بالجنون .
وما أصدق بروست إذ يقول أن الحب خلل عقلى ، وكأنه يصف هذا العمل – مع الفارق فى الدلالة والسياق طبعا – فتأتى الأحداث لتكشف رويدا رويدا حقيقة هذا العقل بدءا من لحظة بزوغ الحب بين وائل وسلوى فكأن الحب نور يسطع  يكشف لنا الظلام ويظهر لنا حقيقة هذا العقل  ويقلب العقل الى جنون والجنون الى عقل وكأنه غرة قيم تصارعت تارة وتسابقت تارة اخرى فى لوحة رسمها هذا العمل . فدائما ما جاء الحب فى صراع أزلى مع المجتمع الذى نشأ فيه كثنائية (الحب /المجتمع) وليكون وائل وسلوى امتداد لثنائيات أخرى كروميو وجوليت وعنترة وعبلة وقيس وليلى ...
يعد انتقاد العقل الجمعى لمجتمعنا الغاية والهدف للعمل .  فلا يدخل الى نفسك شيئا من العجب او الاندهاش إذا قلت لك أن العقل المريض الموصوف منذ قليل هو عقل مجتمعنا وعقلك التى تفكر به !  لذا قلت لك من البداية خلى بالك من عقلك  .









تعليقات